حلمت بدراسة القانون الدولي، إلا أن معدلها الدراسي لم يسعفها، فإختصت بالرياضة. ما أن تخرجت حتى تركت الملعب وراء ظهرها لتدخل عالم الفن بقوة، فتصبح سريعاً ممثلة مسرح معروفة في الأردن.
تتحلى بشخصية جريئة ومتجددة ودائمة القلق، فبعد أن حصدت الشهرة والعديد من الجوائز في عالم المسرح؛ منها جائزة التانيت الذهبي كأفضل ممثلة في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي 2003، عادت إلى مقاعد الدراسة مجدداً لتدرس السينما التسجيلية الإبداعية في المعهد العربي للفيلم، وتصبح من المخرجات الأردنيات الواعدات.
ساندرا ماضي
لا يخفى على من تابع مسيرتك أنك لست من فئة “أحببت السينما منذ نعومة أظافري“، فلماذا اخترت التوجه إلى السينما؟
هذا صحيح! لقد أحببت المسرح منذ نعومة ” ظفائري”، واعتبر التوجه للسينما إمتداداً – بشكل من الأشكال – لتجربة إبداعية بدأتُها، وجاءت بعد تأمل مستمر. ولا ضير في ذلك حسب اعتقادي. على العكس أجد نفسي و قد دخلت عالم السينما مستفيدةً من جديتي و تعمقي في عالم المسرح و ثقافته الإنسانية. فرغم أن المسرح نمط فني مختلف و مستقل حتماً عن السينما، إلا أن كثيرين ممن عملوا لسنوات في المسرح كمحترفين انتهى بهم المطاف في السينما، كمثل المخرج السينمائي الاستثنائي عبد اللطيف كشيش من تونس، الذي بدأ كممثل مسرحي ثم انتقل إلى الإخراج المسرحي، وبات اليوم مخرجا سينمائياً معروفاً. أما لماذا اخترت التوجه للسينما فلا أملك إجابة محددة! ولكن أستطيع القول أن المساحة التي تتيحها السينما أرحب و أكثر تعبيراً عن الأفكار التي أرغب بالتعبير عنها.
عندما اخترت السينما اخترت التسجيلية منها والإبداعية تحديداً، لماذا؟
السينما التسجيلية الإبداعية هي تحدي بدون شك! تحدي فني و فكري في الوقت ذاته، فهي اختزال للحياة و للواقع ضمن رؤية خاصة. فالفيلم يعبر غالباً عن وجهة نظر صانعه. هكذا هي كل السينما و ليس التسجيلية فحسب. و لكن الفرق بين الاثنتين هو تماهي الثانية المطلق مع واقعة أو حكاية ”حقيقية“، في حين يجذبنا الوهم لساعة أو أكثر في فيلم روائي و تنتهي الحكاية.
يظهر الهم الفلسطيني بكثرة في أعمالك، فنشاهد في أفلامك ملاكماً من مخيم فلسطيني خسر مستقبله المهني لرفضه مواجهة رياضي إسرائيلي، ونتعرف على مصير الفدائيين الذين بذلوا الكثير في صفوف منظمة التحريرالفلسطينية. لماذا اخترت القضية الفلسطينية موضوعاً لك وهل أنت من أنصار الفن الملتزم؟
إن موضوعاتي فلسطينية بكل تأكيد. لكن اختياري للموضوعة الفلسطينية لم يأتِ لمجرد كونها مادة إنسانية زخمة و ثرية و جذابة بدون شك، بل إن ما يشدني أكثر هو الذاكرة الحقيقية لقضية ما زالت تنتظر أن تروى و هي تلتمع أمام عيني كأولوية دائمة، و ما زال هناك الكثير الكثير مما لم يقال.
أعتقد أن نشأتي “الخاصة” – شأني شأن كل الفلسطينيين في الشتات الذين أبعدوا قسراً عن بيئتهم ومحيطهم- وإحساسي بمعنى فقدان امتياز أن تعيش في بلدك أو ما يسمى الوطن، قد انحفر بعمق في وعيي و اللاوعي على حد سواء، وينعكس ذلك حتماً على خياراتي. بالطبع تنبع الحكايا التي سلّطت عليها الضوء في أفلامي من محيطي هذا. فالمخيم موجود، أراه باستمرار وأسمع قصصه وأعيه تماماً، رغم أني لم أنشأ فيه. ومن جانب آخر فإن جزءاً من هؤلاء المحاربين المقاتلين، الذين رفضوا تماماً من قبل قياداتهم الفلسطينية، موجودون هنا في الأردن … هذا ما أراه، هذا ما يحيط بي، وهو جزء من ذاكرة لا تذوب مع الأيام. وهي مهمة لأنها تشكل جزءاً من الذاكرة الفلسطينية ككل، والتي هي أشبه بقطع الموزاييك. كل فرد منا يحمل قطعته – حكايته – وهذا هو أكثر ما يخيف المحتل، أن تبقى الذاكرة حيّة.
بالنسبة للفن الملتزم ، أنا لا أفهم ماذا يعني فن ملتزم بحق. أنا أفهم أن أي فيلم يحقق امتيازاً فنياً وفكرياً ربما هو فيلم يستحق أن يشاهد وليس الموضوع وحده هو ما يرفع الفيلم السينمائي لمصاف الأفلام ”الملتزمة”. طبعاً نحن بحكم العاطفة أو التعاطف ننساق إلى الاعتقاد بأهمية فيلم عن آخر كونه يتحدث مثلاً عن العراق أو فلسطين أو غيرها من القضايا، و لكن هذا غير دقيق أبداً.
لقد تعاونتِ مع mbc group في إنتاج فيلمكِ التسجيلي الأخير “ذاكرة مثقوبة“، ما طبيعة هذا التعاون وكيف تقيّمين تجربتك كمؤلفة ومخرجة تتعامل مع التلفزيون؟
لقد اقتصر الموضوع على الإنتاج ليس إلا، فقد قدمت مشروعي لمسابقة أعلنت عنها المجموعة لصانعي أفلام عرب مستقلين و قد فاز فيلمي بالجائزة الأولى، وعليه أنجزت النسخة القصيرة الخاصة بالعرض التلفزيوني. أما النسخة الأخرى الطويلة فهي التي شاركت بالمهرجانات.
إن تَقَدُّم التلفزيونات العربية و تَجَرؤها على إنتاج أفلام تسجيلية بالتعاون مع مخرجين مستقلين ليس بالفكرة السيئة. إلا أنه، وحتى يتخذ عملها سياقا جاداً و فاعلاً، لابد من التأسيس لتقاليد تضبط العلاقة بين الجهة المنتجة و المخرج، لتصبح هذه الجهات رافداً و متنفساً لنا كمخرجين، بدلاً من أن يكون توجهنا بالمطلق للجهات الأوروبية غالباً.
إلا أنني أعتقد أن ذلك بعيد المنال لأسباب عديدة، أهمها غياب الرؤية لدى أصحاب النفوذ من جهة، و غياب المختصين الذين يستطيعون بحق تقدير أهمية التعاون و تقديم الدعم للأعمال التسجيلية الإبداعية من جهة أخرى. وربما لا يخفى أيضاً سبب جوهري- و هو سياسي بحت- كون هذه الأفلام في الغالب تتمتع بروحية نقدية ذات سقف عالٍ من الحرية و التعبير. فمتى نكون على استعداد لمواجهة كل ذلك. لا أعلم و لست متفائلة.
هل من صعوبات تقنية أو اجتماعية تواجهينها كمخرجة شابة في الأردن؟
لم أأأواجه صعوبات اجتماعية أو عائقاً حقيقياً لكوني فتاة، أو على الأقل لم أواجه ذلك حتى اللحظة. إن العائق الذي أواجهه هو عائق ثقافي يكمن في ضحالة المعرفة بالفيلم التسجيلي في الأردن. فنمط الأفلام السائد هنا، كما في البلدان العربية الأخرى، هو النمط الاستهلاكي للأفلام الأميركية أو النماذج المستنسخة عنها، عربيةً كانت أم أجنبية، كالتركية مثلاً. هذه هي الثقافة المنتشرة الآن، وهذا ما يريده صاحب رأس المال. والخطورة تكمن في الدور السلبي الذي تلعبه هذه الأفلام من خلال تغييب الصورة الحقيقية لمجتمعاتنا و ثقافتنا و قضايانا.
لقد قلت في لقاء صحفي سابق مع سارة القضاة “حتى نلمس الوعي عند الآخرين فنحن بحاجة إلى مساحة كافية من الحرية للتعبير دون رقابة داخلية أو خارجية“، إلى أي حد بإمكانك التخلص من هاتين الرقابتين؟
يبدو أنني كنت متفائلة لدرجة ملفتة حينها. لا أعتقد، بداية، أنه بإمكاننا ملامسة هذا الوعي في اللحظة الراهنة، أو حتى مجرد الاقتراب منه، فالوعي يتشكل بالتراكم ولا يحدث فجأة. بالتالي، لا يمكن لفيلم أو حتى عشرة أفلام أن تشكل وعياً لدى المشاهد. إلا أنه من الممكن أن تساهم في خلق متلق ذي ذائقة انتقائية أو ناقدة في أفضل حال. لكن هذا أيضاً يتطلب مشاهداً متعلقاً بالسينما وقادراً على الاختيار ويطلب و يسعى بنفسه لمشاهدة هذه الأفلام في المهرجانات السينمائية. ولا أقصد هنا المهرجانات العربية التي تقوم بهدف الدعاية السياسية وتوطيد العلاقات العامة أو الخاصة أو تلك المستنسخة عن مهرجانات عالمية. أقصد مهرجاناً يشبه الناس وموجهاً للناس. أما عن موضوع الرقابة فهي نسبية وغالباً ما يتم التحايل عليها، فنحن في ظل هذه الأنظمة الشمولية نجتهد كثيراً لتجنب الاصطدام مع هذا الرقيب و هو قريب جداً في كل الأحوال. ولست متفائلة كثيرا بتغيّر هذا الحال، إلا إذا تغيّرت هذه الأنظمة أو- على الأقل- تغيّرت العقلية التي تديرها والتي توجّه سهام الإتهام لأي مبدع يقول شيئاً من الحقيقة. هذه الأنظمة ذات الوجود الهش، والتي تتعامل بمنطق العصا مع أبنائها الذين يحبون أوطانهم، ربما أكثر منها.
ما هي التغييرات التي تتأملين كمخرجة شابة أن تحدث في المشهد السينمائي في الأردن؟
للحديث عن المشهد السينمائي في الأردن نحتاج إلى فهم واقع و تركيبة النسيج الاجتماعي الثقافي والسياسي لهذا المجتمع الذي اعتقد أنه خاص وذو خصائص تستحق البحث فيها. أقول ذلك لفهمي وإدراكي أن السينما عندما تريد أن تبرز وتتميز، فلابد لها أن تأخذ الكثير من الثقافة والملامح الحقيقية لهذا المجتمع الذي تخرج منه. ونحن مازلنا بحاجة إلى الكثير لتحقيق ذلك. طبعاً لا يمكن طلب الكثير، فالمشهد ما زال في طور النشأة. هناك محاولات جادّة من قبل أفراد، واتمنى أن تستمر، وأن يُقَدَّمَ لها الدعم. وهناك طبعاً دور مؤسساتي تلعبه الهيئة الملكية للأفلام ومعهد البحر الأحمر للسينما “ريسيكا” و الهدف منهما هو تهيئة و تدريب تقنيين و فنيين و تخريج كوادر مدربة بدرجة عالية لتأسيس الأرضية الضرورية لصناعة سينمائية بالاعتماد على كوادر محلية، وهذا هام جدا برأيي، ولكن اتمنى أن يتمكن هؤلاء من تحقيق مشاريعهم الخاصة وأن لا يصطدموا بواقع الإنتاج المرير الذي يعاني منه معظم المخرجين العرب بالعموم.
ماهي مشاريعك السينمائية القادمة؟
حاليا أحضّر لفيلم تسجيلي طويل بعنوان “غزة غزة” كما أعمل على كتابة مشروعي السينمائي الروائي الأول.
*أجابت المخرجة على أسئلتي كتابياً
نشر هذا اللقاء في تفاصيل، وهي نشرة مجانية فصلية مختصة بالتسجيلي تصدر عن بروأكشن فيلم.