حوار مع المخرج الجزائري مالك بنسماعيل حول فيلمه التسجيلي “ولو في الصين”!

حمل المخرج الجزائري مالك بنسماعيل كاميرته وانتقل إلى مدينة في منطقة الشاوية البربرية والتي كانت مركز إنطلاق الثورة الجزائرية ليرصد من خلال الحياة اليومية لطلاب في مدرسة ابتدائية ما آلت إليه الضيعة بعد خمسين عاماً من الاستقلال.

”و لو في الصين“ فيلم يطرح العديد من الأسئلة حول الهوية الجزائرية والصراع الفريد بين الماضي والمستقبل في بلد أنهكته الحرب والتقلبات السياسية.

أجريت مع زميلتي الصحفية فاطمة عاشوراء هذا الحوار مع مخرج الفيلم الجزائري مالك بنسماعيل

المخرج الجزائري مالك بنسماعيل

المخرج الجزائري مالك بنسماعيل

بعد مرور خمسين عاماً على الثورة الجزائرية و نيل الاستقلال أين وصلت الجزائر اليوم و هل واقعها هو فعلاً بهذا السوء والتخلف الذي عكسه فيلمك؟

إن الظروف الصعبة التي رأيتها في الفيلم هي الواقع الذي تعيشه مدن الجزائر باستثناء الجزائر العاصمة و هي تشكل ٩٠٪ من الأراضي الجزائرية. حتى أن المدينة التي صورت فيها فيلمي و رغم أنها مهد الثورة الجزائرية ومركز اندلاعها لا يصلها الغاز اليوم و هؤلاء الأطفال الذين صورتهم في الفيلم يرجفون من البرد طوال فترة الشتاء.

 الأطفال الذين صورتهم في فيلمك لم يُبدوا أي ارتباط بهذه الثورة بل و بدت كأنها مفروضة عليهم فهل برأيك على الجزائريين أن يطووا هذه الصفحة و يتوجهوا للمستقبل؟

إن الأساتذة في الفيلم يحبون الجزائر إلا أنهم يفرضون من خلال المنهاج التعليمي غير المدروس بشكل جيد هذا الإحساس القومي و حب الوطن على الطلاب بشكل قسري مما يقتل هذا الحب في قلوبهم لأن المبالغة في الوطنية تقتلها. إن مراسم رفع العلم و إلقاء النشيد الوطني مرتين يومياً في المدرسة جعل منها عملاً روتينياً يردده الطلاب بشكل أوتوماتيكي دون أي تفاعل مما يخلق لديهم مللاً بل وكرهاً للمدرسة فأحد الطلاب في المدرسة قال للأستاذ بأنه يود ترك المدرسة و العمل كصائغ مع عمه ليجني المال. و هذا مثال على كيفية دفع نظام التدريس السيء للطلاب نحو الرأسمالية و تقليلهم من شأن المعرفة لصالح المال.

تبدو الهوية الجزائرية ممزقة في فيلمك فعندما يسأل الأستاذ طلبته عن هويتهم يعجزون عن الإجابة ثم يلخصونها باللغة العربية و البربرية و الدين الإسلامي. كيف ترى أنت الهوية الجزائرية؟

إن النظام التدريسي هو من فرض هذا الشتات في الهوية. إلا أنني لم أصدر حكماً بتمزق هذه الهوية فأنا كمخرج لفيلم و ثائقي لا أصدر أحكاماً بل اختار موضوعاً، و قد اخترت الآن هذه المدرسة، فأحمل الكاميرا و اراقب متجرداً من الأفكار المسبقة ثم أحضر فيلمي على أساس الوقائع التي أرصدها. وقد وجدت نقاطاً إيجابية أيضاً كإنسانية الأساتذة الذين رغم توجههم للعنف أحياناً في تعاملهم مع الأطفال إلا أنهم يريدون تحقيق تغيير في الضيعة ونشر الثقافة و هذا يثبت أن الرجل و المرأة بمعزل عن التوجهات الإيديولوجية و السياسية يعملون بالفطرة لخدمة وطنهم.

مشهد من فيلم ولو في الصين للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل

مشهد من فيلم ولو في الصين للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل

 

يريد أحد الأطفال في الفيلم أن يصبح طبيب أسنان فيقول له المعلم أنه لتحقيق ذلك عليه تعلم الفرنسية، فهل يعجز الجزائري رغم كونه مواطناً عربياً عن التطور دون تعلم اللغة الفرنسية؟

لقد دخلت اللغة الفرنسية ضمن اللعبة السياسية للإحتلال الفرنسي الذي أراد محو الهوية العربية والإسلامية من خلال فرض الفرنسية لغة للتعليم خلال ١٥٠ سنة. أما الحكومات الجزائرية التي تشكلت بعد الاستقلال فعربت الدولة و نظام التعليم من الابتدائية حتى الثانوية فبات على الطلاب تعلم العربية الفصيحة بشكل مكثف و خلال فترة قصيرة  جداً. و قد فرضت بالعنف و هذا السبب في أنني لا أتقن العربية. أما الجامعات فلم يتم تعريبها لذلك لا يمكن متابعة الدراسة دون إتقان الفرنسية. و هذا يخلق انفصاماً في الشخصية لدى الجزائري الذي لم يعد يعرف إن كان فرنسيا،ً عربياً أو بربرياً! كان من المفترض أن تدمج هذه الهويات المتنوعة و يتعلم الجزائري هذه اللغات جميعاً فلا يمكن إلغاء اللغة الفرنسية بعد ١٦٠ عاماً من تحدثها. كذلك على الحكومة أن تعترف بلغة الشعب فقد وصمت اللغة الأمازيغية و العامية الجزائرية بالعار و اعتبرتها لغات وحشية و متخلفة و باتت اللغة العربية الفصحى هي لغة السلطة! فالشرطي مثلاً يتحدث مع المواطن بالعامية في حين أنه يكلم مرؤسيه بالفصحى و التي باتت تخلق الرهبة لدى الشعب.

تظهر المرأة الجزائرية، وهي التي لعبت دوراً كبيراً في الثورة، في الفيلم كخادمة و شخصية مهمشة. هل يعكس هذا بالفعل واقع المرأة الجزائرية اليوم؟

إن المنطقة التي صورت فيها هي منطقة الشاوية البربرية و قد كانت النساء في زمن جدتي يعملن في الزراعة ويخرجن للشارع و يشاركن في الحياة اليومية فيها إلا أنهن اليوم مختفيان تماماً في هذه الضيعة لدرجة أنني لم اشاهد طوال فترة تصوير الفيلم سوى امرأتين، الخادمة التي تعمل في المدرسة و التي رفضت التحدث معي خلال الستة شهورالأولى التي صورت فيها و رجل مخنس رفض المشاركة في الفيلم. بالتالي فإن وضع النساء اليوم في الضيعة هو أسوء مما كان عليه في السابق. لقد كنت أود إعطاء النساء دوراً أكبر في الفيلم إلا أنهن كن مختفيات في المنازل لم أشعر بوجودهن إلا من خلال فناجين القهوة و الطعام الذي أرسلنه مع أطفالهن لنا خلال فترة التصوير.

مشهد من فيلم ولو في الصين للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل

مشهد من فيلم ولو في الصين للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل

 

على الرغم من  أن الدين يدرس في الكّتاب بشكل آلي دون إبتغاء المعرفة، اخترت حديثاً نبوياً يحضّ  على العلم عنواناً لفيلمك، فهل في ذلك ترسيخ للصورة الحقيقية للإسلام بعيداً عن التفسيرات الخاطئة؟

لقد لخترت هذا الحديث ”أطلبوا العلم و لو في الصين“ لسببين. أولاً أردت التأكيد على انفتاح الدين الإسلامي و طلبه للمعرفة و لو كانت من بلد غير إسلامي وثانياً أردت الإشارة إلى أن الانحدار الثقافي بلغ فينا موضعاً بتنا معه بحاجة لاستقطاب عمال من الصين لإعمار بلدنا فإن أغلب العمال و المعامل في الجزائر هي من الصين!

هل عرض هذا الفيلم في الجزائر؟

لم يعرض بشكل رسمي  لكونه فيلماً و ثائقياً و الفيلم الوثائقي هو دائماً من جهة الشعب، باستثناء الدعائية منها طبعاً، فهو يعكس الواقع المعاش و يصبح بالتالي غير قابل للإنكار على عكس الفيلم (الروائي)  الذي و إن عكس نفس الوضوع فهو ينعت بالخيالي لاعتماده على ممثلين و سيناريو مكتوب.

نشرت هذه المادة في”وجهة نظر” النشرة اليومية الصادرة عن مهرجان سينما الواقع للأفلام الوثائقية 2009. لتحميل كامل النشرة أنقر هنا
لقراءة الأعداد الأخرى من “وجهة نظر” يمكنك زيارة موقع المهرجان

Leave a comment